سورة المائدة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أي بالعهود، قال الزجاج: هي أوكد العهود، يقال: عاقدت فلانا وعقدت عليه أي: ألزمته ذلك باستيثاق، وأصله من عقد الشيء بغيره ووصله به، كما يُعقد الحبل بالحبل إذا وُصل.
واختلفوا في هذه العقود، قال ابن جريج: هذا خطاب لأهل الكتاب، يعني: يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة أوفوا بالعهود التي عهدتُها إليكم في شأن محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} [سورة آل عمران، 187].
وقال الآخرون: هو عام، وقال قتادة: أراد بها الحِلْف الذي تعاقدوا عليه في الجاهلية، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: هي عهود الإيمان والقرآن، وقيل: هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم.
{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ} قال الحسن وقتادة: هي الأنعام كلها، وهي الإبل والبقر والغنم، وأراد تحليل ما حرم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام.
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بهيمة الأنعام هي الأجنة، ومثله عن الشعبي قال: هي الأجنة التي توجد ميتة في بطون أمهاتها إذا ذُبحت أو نحرت، ذهب أكثر أهل العلم إلى تحليله.
قال الشيخ الإمام قرأت على أبي عبد الله محمد بن الفضل الخرقي فقلت: قُرئ على أبي سهل محمد بن عمر بن طرفة وأنت حاضر، فقيل له: حدثكم أبو سليمان الخطابي أنا أبو بكر ابن داسة أنا أبو داود السجستاني أنا مسدد أنا هشيم عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم قال قلنا: يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ فقال: «كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه». وروى أبو الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ذكاة الجنين ذكاة أمه».
وشرط بعضهم الإشعار، قال ابن عمر: ذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا تم خلقه ونبت شعره، ومثله عن سعيد بن المسيب.
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يحل أكل الجنين إذا خرج ميتا بعد ذكاة الأم.
وقال الكلبي: بهيمة الأنعام: وحشيها، وهي الظباء وبقر الوحش، سميت بهيمة لأنها أبهمت عن التمييز، وقيل: لأنها لا نطق لها، {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي: ما ذكر في قوله: {حرمت عليكم الميتة} إلى قوله: {وما ذبح على النصب}، {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} وهو نصب على الحال، أي: لا محلي الصيد، ومعنى الآية: أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها إلا ما كان منها وحشيا فإنه صيد لا يحل لكم في حال الإحرام، فذلك قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}.


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} نزلت في الحطم واسمه شريح بن ضبيعة البكري، أتى المدينة وخلّف خيله خارج المدينة، ودخل وحده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إلى ما تدعو الناس؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال: حسن إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم، ولعلي أسلم وآتي بهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان، ثم خرج شريح من عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد دخل بوجه كافر وخرج بقفا غادر وما الرجل بمسلم، فمر بسرح المدينة فاستاقه وانطلق، فاتبعوه فلم يُدركوه، فلما كان العام القابل خرج حاجا في حجاج بكر بن وائل من اليمامة ومعه تجارة عظيمة، وقد قلد الهدي، فقال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا الحطم قد خرج حاجا فخلِّ بيننا وبينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد قلد الهدي، فقالوا: يا رسول الله هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}.
قال ابن عباس ومجاهد: هي مناسك الحج، وكان المشركون يحجون ويهدون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك.
وقال أبو عبيدة: شعائر الله هي الهدايا المشعرة، والإشعار من الشعار، وهي العلامة، وإشعارها: إعلامها بما يُعرف أنها هدي، والإشعار هاهنا: أن يطعن في صفحة سنام البعير بحديدة حتى يسيل الدم، فيكون ذلك علامة أنها هدي، وهي سنة في الهدايا إذا كانت من الإبل، لما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو نعيم أنا أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حَرُمَ عليه شيء كان أُحِلّ له.
وقاس الشافعي البقر على الإبل في الإشعار، وأما الغنم فلا تشعر بالجرح، فإنها لا تحتمل الجرح لضعفها، وعند أبي حنيفة: لا يشعر الهدي.
وقال عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا تحلوا شعائر الله هي أن تصيد وأنت محرم، بدليل قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا}، وقال السدي: أراد حرم الله، وقيل: المراد منه النهي عن القتل في الحرم، وقال عطاء: شعائر الله حرمات الله واجتناب سخطه واتباع طاعته.
قوله: {وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} أي: بالقتال فيه، وقال ابن زيد: هو النسيء، وذلك أنهم كانوا يحلونه في الجاهلية عاما ويحرمونه عاما، {وَلا الْهَدْيَ} وهو كل ما يهدى إلى بيت الله من بعير أو بقرة أو شاة، {وَلا الْقَلائِدَ} أي: الهدايا المقلدة، يريد ذوات القلائد، وقال عطاء: أراد أصحاب القلائد، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا أرادوا الخروج من الحرم قلدوا أنفسهم وإبلهم بشيء من لحاء شجر الحرم كيلا يتعرض لهم، فنهى الشرع عن استحلال شيء منها. وقال مطرف بن الشخير: هي القلائد نفسها وذلك أن المشركين كانوا يأخذون من لحاء شجر مكة ويتقلدونها فنهوا عن نزع شجرها.
قوله تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} أي: قاصدين البيت الحرام، يعني: الكعبة فلا تتعرضوا لهم، {يَبْتَغُون} يطلبون {فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ} يعني الرزق بالتجارة، {وَرِضْوَانًا} أي: على زعمهم؛ لأن الكافرين لا نصيب له في الرضوان، وقال قتادة: هو أن يصلح معاشهم في الدنيا ولا يعجل لهم العقوبة فيها، وقيل: ابتغاء الفضل للمؤمنين والمشركين عامة، وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة؛ لأن المسلمين والمشركين كانوا يحجون، وهذه الآية إلى هاهنا منسوخة بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [سورة التوبة، 5] وبقوله: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [سورة التوبة، 28]، فلا يجوز أن يحج مشرك ولا أن يأمن كافر بالهدي والقلائد.
قوله عز وجل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ} من إحرامكم، {فَاصْطَادُوا} أمر إباحة، أباح للحلال أخذ الصيد، كقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة، 10].
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} قال ابن عباس وقتادة: لا يحملنكم، يقال: جرمني فلان على أن صنعت كذا، أي حملني، وقال الفراء: لا يكسبنكم، يقال: جرم أي: كسب، وفلان جريمة أهله، أي: كاسبهم، وقيل: لا يدعونكم، {شَنَآنُ قَوْمٍ} أي: بغضهم وعداوتهم، وهو مصدر شنئت، قرأ ابن ابن عامر وأبو بكر {شَنَآنُ قَوْمٍ} بسكون النون الأولى، وقرأ الآخرون بفتحها، وهما لغتان، والفتح أجود، لأن المصادر أكثرها فعلان، بفتح العين مثل الضربان والسيلان والنسلان ونحوها، {أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الألف على الاستئناف، وقرأ الآخرون بفتح الألف، أي: لأن صدوكم، ومعنى الآية: ولا يحملنكم عداوة قوم على الاعتداء لأنهم صدوكم. وقال محمد بن جرير: لأن هذه السورة نزلت بعد قصة الحديبية، وكان الصد قد تقدم، {أَنْ تَعْتَدُوا} عليهم بالقتل وأخذ الأموال، {وَتَعَاوَنُوا} أي: ليعين بعضكم بعضا، {عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} قيل: البر متابعة الأمر، والتقوى مجانبة النهي، وقيل: البر: الإسلام، والتقوى: السنة، {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} قيل: الإثم: الكفر، والعدوان: الظلم، وقيل: الإثم: المعصية، والعدوان: البدعة.
أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أبي طاهر الدقاق ببغداد أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي أنا الحسن بن علي بن عفان أنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي عن أبيه عن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم، قال: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس». {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.


قوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} أي: ما ذكر على ذبحه اسم غير الله تعالى، {وَالْمُنْخَنِقَة} وهي التي تختنق فتموت، قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها، {وَالْمَوْقُوذَة} هي المقتولة بالخشب، قال قتادة: كانوا يضربونها بالعصا فإذا ماتت أكلوها، {وَالْمُتَرَدِّيَة} هي التي تتردى من مكان عال أو في بئر فتموت، {وَالنَّطِيحَة} وهي التي تنطحها أخرى فتموت، وهاء التأنيث تدخل في الفعيل إذا كان بمعنى الفاعل، فإذا كان بمعنى المفعول استوى فيه المذكر والمؤنث، نحو عين كحيل وكف خضيب، فإذا حذفت الاسم وأفردت الصفة، أدخلوا الهاء فقالوا: رأينا كحيلة وخضيبة، وهنا أدخل الهاء لأنه لم يتقدمها الاسم، فلو أسقط الهاء لم يدر أنها صفة مؤنث أم مذكر، ومثله الذبيحة والنسيكة، وأكيلة السبع {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} يريد ما بقي مما أكل السبع، وكان أهل الجاهلية يأكلونه، {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} يعني: إلا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء.
وأصل التذكية الإتمام، يقال: ذكيت النار إذا أتممت إشعالها، والمراد هنا: إتمام فري الأوداج وإنهار الدم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل غير السن والظفر».
وأقل الذكاة في الحيوان المقدور عليه قطع المري والحلقوم وكما له أن يقطع الودجين معهما، ويجوز بكل محدد يقطع من حديد أو قصب أو زجاج أو حجر إلا السن والظفر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بهما، وإنما يحل ما ذكيته بعدما جرحه السبع وأكل شيئا منه إذا أدركته والحياة فيه مستقرة فذبحته، فأما ما صار بجرح السبع إلى حالة المذبوح، فهو في حكم الميتة، فلا يكون حلالا وإن ذبحته، وكذلك المتردية والنطيحة إذا أدركتها حية قبل أن تصير إلى حالة المذبوح فذبحتها تكون حلالا ولو رمى إلى صيد في الهواء فأصابه فسقط على الأرض فمات كان حلالا؛ لأن الوقوع على الأرض من ضرورته، فإن سقط على جبل أو شجر أو سطح ثم تردى منه فمات فلا يحل، وهو من المتردية إلا أن يكون السهم أصاب مذبحه في الهواء فيحل كيف ما وقع؛ لأن الذبح قد حصل بإصابة السهم المذبح.
{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} قيل: النصب جمع واحده نصاب، وقيل: هو واحد وجمعه أنصاب مثل عنق وأعناق، وهو الشيء المنصوب.
واختلفوا فيه، فقال مجاهد وقتادة: كانت حول البيت ثلاثمائة وستون حجرا منصوبة، كان أهل الجاهلية يعبدونها ويعظمونها ويذبحون لها، وليست هي بأصنام، إنما الأصنام هي المصورة المنقوشة، وقال الآخرون: هي الأصنام المنصوبة، ومعناه: وما ذبح على اسم النصب، قال ابن زيد: وما ذبح على النصب وما أهل لغير الله به: هما واحد، قال قطرب: على بمعنى اللام أي: وما ذبح لأجل النصب.
{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ} أي: ويحرم عليكم الاستقسام بالأزلام، والاستقسام هو طلب القسم والحكم من الأزلام، والأزلام هي: القداح التي لا ريش لها ولا نصل، واحدها: زَلْم، وزُلْم بفتح الزاي وضمها، وكانت أزلامهم سبعة قداح مستوية من شوحط يكون عند سادن الكعبة، مكتوب على واحد: نعم، وعلى واحد: لا وعلى واحد: منكم، وعلى واحد: من غيركم، وعلى واحد: مُلْصَق، وعلى واحد: العقل، وواحد غُفْل ليس عليه شيء، فكانوا إذا أرادوا أمرا من سفر أو نكاح أو ختان أو غيره، أو تدارءوا في نسب أو اختلفوا في تحمّل عقل جاءوا إلى هُبل، وكان أعظم أصنام قريش بمكة، وجاءوا بمائة درهم فأعطوها صاحب القداح حتى يجيل القداح، ويقولون: يا إلهنا إنا أردنا كذا وكذا، فإن خرج نعم، فعلوا، وإن خرج لا لم يفعلوا ذلك حولا ثم عادوا إلى القداح ثانية، فإذا أجالوا على نسب، فإن خرج منكم كان وسطا منهم، وإن خرج من غيركم كان حليفا، وإن خرج ملصق كان على منزلته لا نسب له ولا حلف، وإذا اختلفوا في عقل فمن خرج عليه قدح العقل حمله، وإن خرج الغفل أجالوا ثانيا حتى يخرج المكتوب، فنهى الله عز وجل عن ذلك وحرمه، وقال: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} قال سعيد بن جبير: الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها، وقال مجاهد: هي كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها، وقال الشعبي وغيره: الأزلام للعرب، والكعاب للعجم، وقال سفيان بن وكيع: هي الشطرنج، وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العيافة والطرق والطيرة من الجبت» والمراد من الطرق: الضرب بالحصى.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أنا ابن فنجوية أنا ابن الفضل الكندي أخبرنا الحسن بن داود الخشاب أنا سويد بن سعيد أنا أبو المختار عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تكهن أو استقسم أو تطير طيرة ترده عن سفره لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة».
قوله عز وجل: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} يعني: أن ترجعوا إلى دينهم كفارا، وذلك أن الكفار كانوا يطمعون في عود المسلمين إلى دينهم فلما قوي الإسلام يئسوا، ويئس وأيس بمعنى واحد.
{فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} نزلت هذه الآية يوم الجمعة، يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء، فكادت عضد الناقة تندق من ثقلها فبركت.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل حدثني الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون أنا أبو العميس أنا قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرأونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أية آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. أشار عمر إلى أن ذلك اليوم كان عيدا لنا.
قال ابن عباس: كان في ذلك اليوم خمسة أعياد: جمعة وعرفة وعيد اليهود والنصارى والمجوس، ولم تجتمع أعياد أهل الملل في يوم قبله ولا بعده.
روى هارون بن عنترة عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية بكى عمر رضي الله عنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا عمر»؟ فقال: أبكاني أنّا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا كمل فإنه لم يكن شيء قط إلا نقص، قال: صدقت.
وكانت هذه الآية نعي النبي صلى الله عليه وسلم وعاش بعدها إحدى وثمانين يوما، ومات يوم الاثنين بعدما زاغت الشمس لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقيل: توفي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وكانت هجرته في الثاني عشر.
قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يعني: يوم نزول هذه الآية أكملت لكم دينكم، يعني الفرائض والسنن والحدود والجهاد والأحكام والحلال والحرام، فلم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام، ولا شيء من الفرائض. هذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عنه أن آية الربا نزلت بعدها.
وقال سعيد بن جبير وقتادة: أكملت لكم دينكم فلم يحج معكم مشرك.
وقيل: أظهرت دينكم وأمّنتكم من العدو.
قوله عز وجل: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يعني: وأنجزت وعدي في قول {ولأتم نعمتي عليكم} [سورة البقرة، 150]، فكان من تمام نعمته أن دخلوا مكة آمنين وعليها ظاهرين، وحجوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} سمعت عبد الواحد المليحي قال: سمعت أبا محمد بن أبي حاتم، قال: سمعت أبا بكر النيسابوري سمعت أبا بكر محمد بن الحسن بن المسيب المروزي، سمعت أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي، سمعت عبد الملك بن مسلمة أنا مروان المصري سمعت إبراهيم بن أبي بكر بن المنكدر رضي الله عنه، سمعت عمي محمد بن المنكدر سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال جبريل عليه السلام قال الله تعالى: هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه».
قوله عز وجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} أي: أُجهد في مجاعة، والمخمصة خلو البطن من الغذاء، يقال: رجل خميص البطن إذا كان طاويا خاويا، {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ} أي: مائل إلى إثم وهو أن يأكل فوق الشبع، وقال قتادة غير متعرض لمعصية في مقصده، {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وفيه إضمار، أي: فأكله فإن الله غفور رحيم.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن المروزي أنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان أنا أبو أحمد محمد بن قريش بن سليمان أنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز المكي أنا أبو عبيد القاسم بن سلام أنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي قال رجل: يا رسول الله إنا نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة فمتي تحل لنا الميتة؟ فقال: «ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8